مضى عليها نصف قرن من الزمن، وما زالت حية في القلوب والآذان، أغنية: يا ريم وادي ثقيف، التي كتب شعرها الزجلي، الأمير عبد الله الفيصل، رحمه الله، ولحنها وغناها كبير موسيقيي المملكة، المرحوم العميد طارق عبد الحكيم، وتغنَّى بها من بعده عدد من المطربين، نذكر منهم المطربة الكبيرة نجاح سلام، وطلال مداح ومحمد عمر وهيام يونس.
ووادي ثقيف المذكور في الأغنية يقع في جنوب مدينة الطائف، وعلى بعد 140 كم منها. وثقيف قبيلة ظهرت في جزيرة العرب قبل الإسلام وهي قبيلة كبيرة من قبائل هوزان وترتبط بالطائف ارتباطاً وثيقاً حتى يخيل للبعض إذا قيل ثقيف، فإن المقصود مدينة الطائف. وخرج من ثقيف أعلام وشعراء معروفون منذ القدم، منهم الصحابة المغيرة بن شعبة وجبر ابن حية الثقفي والأخنس الثقفي والحجاج بن يوسف الثقفي.
وطارق عبدالحكيم من أبناء الطائف، التحق بالخدمة العسكرية سنة 1939م، وحصل على مرتبة ملازم، ثم انتقل من الطائف التي كانت مركز الجيش السعودي آنذاك، إلى الرياض وأسهم في تأليف مارشات عسكرية وتطوير وتوزيع النشيد الوطني الذي وضع ألحانه عبدالرحمن الخطيب. وانتخب رئيساً للمجمع العربي للموسيقى 1983م، وأسس متحف الموسيقى العسكري في الرياض، ثم انتخب رئيساً للمجمع مرة أخرى 1987م.
ومن يتأمل أغنية يا ريم وادي ثقيف يجد أنها تتميز بمقام الراست، الذي يبدو أن الفنان الراحل طارق عبدالحكيم كان يؤثره، ذلك أن ثلاثاً من أشهر أغنياته، وهي: يا ريم وادي ثقيف، وتعلّق قلبي طفلةً عربية (غنتها هيام يونس) وأشقر وشعره ذهب (غنتها سميرة توفيق) كلها من مقام الراست، الذي يشيع في الغناء الشعبي في شبه الجزيرة العربية، لما يوحيه من إحساس بالطرب الشديد.
وإيقاع أغنية ”يا ريم وادي ثقيف”، من تلك الإيقاعات الشعبية الخليجية التي تضبط وقع الأرجل على الأرض في الرقص الجماعي الشعبي الجميل والشهير في المملكة.
فإذا اجتمع المقام الجميل مع الإيقاع المناسب، وتوّجهما لحن جميل أمكن للعمل أن يعمَّر طويلاً في وجدان الناس.
يقول شعر الأغنية الزجلي:
- مذهب -
يــا ريــم وادي ثَـقـيـف
لـطـيف جسمـك لـطـيف
ما شُفت انا لك وصيف
في الناس شكلك غريب
- 1 -
إنــتَ الـمـنـى والأمــلْ
فـي مُـهـجـتي لـك مَحلْ
يا مَــن بـحُسنه اكتمَـلْ
مـا تِـرحـمـونَ الـحبـيب
- 2 -
يا لـيـت وصلَـك يعـود
واسعَد بــلثــم الـخــدود
يالـلي تـشادي الـورود
قلَـبـي بـقـربـك يـطـيـب
- 3 -
عـبدَك ضـنـاه الـغرام
ساهـر وغــيـرُه يِـنــام
يـا زيــن هـذا حــرام
لـو صاح ما له مُجيب
- 4 -
إيه مقصدك في ضناي
الـوصـل غـايـة مـنـاي
بــالله حــقـــق مــنــاي
مِن يقصدَك ما يـخيب
وتعد هذه الأغنية من نوع الطقطوقة. أي الأغنية التي تتكون من مقاطع متلاحقة (الأغصان)، يتكرر فيما بينها، بعد كل مقطع (غصن) مذهبٌ هو عادة مطلع الأغنية. وهذا الأمر ينطبق على هذه الأغنية، إذ إن المذهب: يا ريم وادي ثقيف، يتكرر لحنا وغناء بعد كل من الأغصان الأربعة: إنت المنى، ويا ليت وصلك، وعبدك ضناه، وإيه مقصدك. ويلاحَظ عند التحليل اللحني، أن لحن العبارة الأولى: يا ريم وادي ثقيف، يتكرر مع العجز في هذا البيت: لطيف جسمك لطيف. أما لحن صدر البيت الثاني: ما شفت انا لك وصيف، فلحن مختلف، فيما يقفل لحن العجز: في الناس شكلك غريب، الجملة اللحنية بالنزول إلى قرار المقام.
كما أن في هذا التكوين اللحني أمرين متلازمين: أنه بسيط لا تعقيد فيه، كما أن فيه لمعة من نوع تلك اللمعات التي لا تبرح السمع، بعدما يتوقف الغناء، فتظل الجملة اللحنية تتردد في الذهن. وهذا سر بقائها في وجدان المستمع.
أما لحن الغصن الأول، فإنه يتكرر هو نفسه في الأغصان الأربعة الأخرى. وهذا إمعان في تبسيط اللحن الشعبي. لكن لحن الغصن يختلف عن لحن المذهب، إلا في عجز البيت الثاني، إذ يلتقي لحن: ما ترحمون الحبيب، مع لحن: في الناس شكلك غريب، تمهيداً للعودة إلى المذهب. وهذا أمر لا يمكننا أن نصفه بالبساطة، بل إنه ملاط قوي يشد أجزاء الأغنية بعضه إلى بعض، فيعطي المستمع هذا الإحساس بوحدة العمل الفني، وإلا كان الإحساس البديل هو التفكك وضعف البنيان. وليس هذا من صفات هذا العمل الشعبي الأصيل، الذي ظل ولا يزال يصدح في وجدان الناس، في كل الوطن العربي، منذ خمسين سنة… إلى الآن.
- بقلم / أروى تركستاني